مقالات علمية ( تدخين
التبغ )
أضرار التدخين
لم يدر
بخلد مكتشفى الأمريكتين الأوربيين أنهم بنقلهم زراعة
التبغ من العالم الجديد إلى أوروبا إنما ينقلون إليها
والى عالمنا اليوم سما زعافا، ولم يدر بخلد الملايين
من البريطانيين
والأمريكيين،
بل ومعظم رجال العالم الثالث أنهم بتدخينهم السجائر
إنما يتجرعون هذا السم، ويسعون بخطى حثيثة إلى تدمير
قدراتهم النفسية والجسمية، ويتسببون فى إلحاق الأذى
بأحبتهم وأهلهم ووطنهم، لان تدخين السجائر من أكثر
العادات الضارة شيوعا ورسوخا فى القرن العشرين، إذ
تترتب عليه
أثار شديدة الأذى للجسم والنفس، والصحبة والوطن،
فبالنسبة للجسم، يسبب التدخين أمراضا تأتى على رأس
قائمة الأمراض المسببة للوفاة، وبالنسبة للنفس، فان
التدخين يحدث درجة من الاعتماد النفسى والفسيولوجى على
النيكوتين تعد أهم أسباب فشل محاولات المدخنين فى
الامتناع عنه، بالنسبة للصحبة، فان التدخين لا يقتصر
ضرره على المدخن فقط، وإنما يطول جلساءه من أهله
وأحبائه، وبالنسبة للوطن فان التدخين يلحق بالاقتصاد
القومى أضراراً
طائلة نتيجة تناقص قدرات المدخنين الصحية وبالتالى نقص
إنتاجهم، ونتيجة ما تتحمله ميزانية الوطن من نفقات
عناية طبية بالأمراض التى يسببها التدخين.
وسوف نعرض
فى الصفحات التالية لكل تلك الآثار:
أولا أضرار مكونات السيجارة
تحتوى
السيجارة الواحدة على أربعة ألاف عنصر كيميائى (غاز أو
جزئى) كيميائى، يدخلها الفرد بتدخينه للسيجارة إلى
جسمه، فيحاول الجسم طرد بعضها عن طريق السائل المخاطى
والبول، ويفشل فى طرد بعضها الآخر لأنها تذوب فى
الماء، وحينذاك تتراكم فى الجسم ويزداد تركيزها فيه
حتى تصبح سامة،
وفى هذه الحالة يفرز الجسم أنزيمات معينة تعمل على
التخلص من تلك العناصر أو على الأقل تحصين الجسم ضدها
بحيث لا يؤذيه تواجدها فيه، وهنا قد يحدث تفاعل بين
هذه الأنزيمات وتلك العناصر، بموجبه
تصبح العناصر غير القادرة على إحداث السرطان، عناصر
سرطانية تلتصق بأحماض نواة الخلية الجسمية (DNA-
RNA)
وتؤدى إلى انقسامها الخاطىء والسريع بدرجة مخيفة وهذا
هو أول مصادر الخطر فى تدخين السجائر، ولإماطة اللثام
عن هذه المصادر نبدأ بذكر بعض العناصر الكيميائية
الأكثر أحداثا للضرر:-
1-
النيكوتين:
استطاع((
بوسلت
))
R.Posselt
– فى هايدبرج
Heidelberg
عام 1829 استخلاص
النيكوتين
وتبلغ الجرعة
المميتة من النيكوتين الخالص40مجم وهى توجد
فى
،
والنيكوتين الطازج زيت لا لون له، مستهجن الرائحة،
ويذوب فى الماء، يصبح بنى اللون إذا تعرض للهواء، ويعد
مسئولا عن الآثار المباشرة للتدخين، إذ تمتص الرئتان
ما بين 2.5 ،3.5مجم نيكوتين من كل سيجارة يدخنها الفرد
ويحدث النيكوتين إحساس الحرقان فى الفم والبلعوم وألماً
شديداً
فى البطن ينتج عنه
أيضا
ارتفاع درجة الحرارة والصداع والغثيان والقىء وتشنج
العضلات وزيادة إفراز العرق، كما يؤدى النيكوتين إلى
تنشيط حركة الأمعاء مما يحدث الإسهال، والى زيادة
الإفراز المعدى مما يقلل الإحساس بالجوع، وتؤدى
أيضا
إلى زيادة
معدل نبض القلب (تقدر الزيادة بـ10-25نبضة فى الدقيقة)
والى انقباض إنسان العين مما يضعف الرؤية، وتنتج هذه
الآثار بعد تدخين سجارتيين
فقط. وتزداد شدتها وشدة ما تسببه من الم بزيادة سرعة
التدخين، فتدخين السيجارة خلال دقيقتين أكثر ضررا من
تدخينها خلال عشر دقائق ويصل النيكوتين إلى المخ بسرعة
(اقل من سبع ثوان) ولان بناءه الكيميائى
يتشابه
مع التركيب الكيميائى لأحد الناقلات العصبية والمسمى (Acetylcholine)،
فإنه ينبه خلايا الجهاز العصبى اللاإرادى وهو مخمد
لباقى أجزاء الجهاز العصبى والمخ الأوسط والنخاع
المستطيلMedulla))
والتى تنبه- بدورها- الغدة النخامية التى بدورها أيضا
تنبه الغدة الكظرية، فيزيد إفراز (الأدرينالين) مما
يزيد من نشاط القلب والعضلات والأوعية الدموية فيرهقها
كما يزيد قابلية الصفائح الدموية للتجمع نتيجة لزيادة
لزوجتها، مما يرفع من احتمالات الإصابة بالجلطة
الدموية وتصلب الشرايين ويؤدى زيادة عدد السجائر التى
يتم تدخينها يوميا إلى تأكيد الإصابة بتلك الأمراض*
وتشير البحوث إلى أن:
( أ ) النيكوتين هو المادة الفعالة فى التبغ التى تحدث
الإدمان.
( ب) وان العمليات الفارماكولوجية والسلوكية التى تحدث
إدمان التبغ مشابهة للإدمان
الناتج عن تعاطى المخدرات الأخرى.
2- أول
أكسيد الكربون:
غاز
عديم اللون والرائحة، يعد المصدر الأول للإصابة بأمراض
الدورة الدموية، الحادة منها والمزمنة، إذ يتحد مع
هيموجلوبين الدم (المسئول عن نقل الأكسجين من الرئتين
إلى خلايا الجسم) بمعدل سريع جدا يفوق معدل اتحاد
الهيموجلوبين بالأكسجين مائتى مره مما يؤدى إلى عدم
أكسدة الدم التى تسبب التثاؤب والصداع واضطراب الرؤية
وفقد القدرة على التركيز
وأحيانا
الغيبوبة وزيادة معدل الأيض (التمثيل الغذائى)
والإفراز اللعابى وكف عملية التبول، وكذلك يؤدى إلى
تعب العضلات وسرعة نبض القلب وارتفاع ضغط الدم وزيادة
معدل التنفس ويهيج الغشاء المخاطى للرئة ويزيد من
إفراز الشعب الهوائية. وينتج عن كل هذا إرهاق لجميع
أجهزة الجسم مما يزيد احتمال الإصابة بالأمراض
المزمنة، ويوضح شكل(آليات خطورة التدخين) كيف يؤدى
تفاعل أول أكسيد الكربون مع النيكوتين إلى الإصابة
بهذه الأمراض.
3-
القطران:
تتمثل
خطورته
فى أنه مسبب للسرطان، وتساعده فى ذلك عدة عناصر
كيميائية أخرى تحتوى عليها السيجارة ومنها البنزوبيرينPyrene
Benzo
(أحد مركبات النيتروجين التى تمتص
عن طريق الشهيق أو الجلد، وتسبب الغيبوبة كما تعمل على
زياده لزوجه الدم وعدم سيولته) الذى يهاجم خلايا الجسم
بمساعدة مركبات الفينول (Phenols)،
فتمهد الطريق للقطران الذى يدخل الخلية، فيلتصق مباشرة
بجزيئات حامض الـ(DNA)
ويحدث تعديلات فيه تؤدى إلى تدمير المورثات (الجينات)
مما يحدث تغييرا فى شفراتها يترتب عليه إنتاج بروتينات
لا فائدة منها، فتفقد الخلايا قدرتها على تنظيم نفسها،
وحينئذ يبدأ السرطان،
وتزداد خطورة الإصابة به إذا بدأ الفرد تدخين السجائر
مبكرا أو كان من المدخنين بكثافة أو من الذين يدخنون
السيجارة بسرعة (أى فى وقت قصير)، فكل هذا من أهم
عوامل الإصابة بالسرطان خصوصا سرطان الرئة والفم
والشفاه والحنجرة،
والسرطان أكثر أمراض القرن العشرين خطورة، لأنه القاتل
الأول للشباب البالغين من العمر فيما بين خمسة وعشرين
وأربعة وأربعين عاما، وأنه القاتل الثانى- بعد
الحوادث- لمن هم دون الخامسة والعشرين عاما وأنه ما من
جزء من الجسم محصن ضده، فقد يصيب المخ أو الرئة أو
الجلد أو الدم أو العظام أو..الخ، كما أن مساره ممطوط
ويتميز بأعراض جسدية أليمة وأثار نفسية ويعد سرطان
الرئة من أكثر أمراض السرطان خطورة، إذ أن معدل الشفاء
منه منخفض،
وهو نتيجة مباشره لتدخين السجائر خصوصا بالنسبة لمن
بدأوا تدخينها فى عمر مبكر أو يدخنونها بكثافة.
4-
السيانيد:
وتحتوى
كل سيجاره على 240 ميكرو جرام (
الميكرو
جرام:1 / 1000 من الجرام) من السيانيد وهو غاز سام
يقوم بطرد الأكسجين من الخلية كما يحدث عطبا بالخلايا
العصبية فى القشرة المخية وخصوصا فى مركز اللمس والألم
والبصر مما يفقد الفرد قدرته على الإحساس بالألم ويضعف
قدرته على الرؤية. ويؤدى تعرض الفرد لكميه كبيرة منه
بالحقن أو بالتنفس إلى موته خلال ربع ساعة فقط.
5-
الأمونيا (Ammonia):
غاز مهيج للرئتين، فتزيد من إفرازاتها، مما يصيب المرء
بسعال جاف مصحوب ببلغم دموى، ويؤدى تهيج الرئتين إلى
إفراز الجسم لإنزيم وظيفته إخراج الغاز أو المواد
المهيجة (مثل القطران وغيرها من عناصر السيجارة)
الأخرى من الجسم، إلا أن هذا الإنزيم يكسر جدار
الحويصلات الهوائية للرئة فيفقدها القدرة على نقل
الأكسجين مما يسبب الاختناق إذا كان الفرد يبدأ
التدخين، وأعراض انتفاخ الرئة والالتهاب الشعبى المزمن
والتى تؤدى إلى انسداد الرئة المزمن إذا استمر الفرد
فى التدخين كما يؤدى غاز الأمونيا إلى تضخم الغدد
الدرقية الذى يسبب أمراضا كثيرة.
6-
الفينول:
التعرض
لكميات صغيره منه ينبه الجهاز العصبى فيحدث زيادة فى
الحموضة
Alkalosis
يتبعها زيادة
فى
المواد
القلوية
ناتجة عن طبيعة الفينول الحمضية وضعف قدرته على تمثيل
الكربوهيدرات، كما يحث تغيرات مرضية فى الكبد والكلى
ويحدث التعرض الحاد له أمراضا عديدة أهمها زيادة ضغط
الدم والغيبوبة وعطب الجهاز العصبى المركزى.
وكل هذا يجعل تدخين السجائر المساهم الأول فى إحداث
المرض والعجز والموت فى كل دول العالم. ويقدم الشكل
عرضا لآليات ذلك.
وعلى الرغم من الوعى بهذه المخاطر والتى بدأت الإشارة
إليها مع بدء انتشار تدخين التبغ فى العالم حيث تنبه
إليها جيمس I.
James
عام 1604 فى لندن وبياللى
S.Paulli
عام 1665 فى ((كوبنهاجن))
وتيدور
T.Theodor
عام 1670 فى أمستردام وترجم هذا الوعى إلى قرارات بحظر
التدخين كما فعل البابا اوربان السابع سنة 1842. إلا
أن تدخين السجائر تزايد بشكل مخيف، حتى فى العقود
الأخيرة التى لا يخلو يوم فيها دون أن تطالعنا الأنباء
باكتشاف علاقة تدخين السجائر بمرض جديد، وحتى فى ظل
وجود عبارة ((التدخين ضار جدا بالصحةوقد
يسبب الوفاة))
على كل علبة سجائر تتناولها اليد، مما يثير التساؤل:
لماذا يدخن الفرد رغم إدراكه مخاطر التدخين، على الأقل
من خلال مطالعته لتلك العبارة، فليس من المنطق أن يصف
مصنَّع السلعة التى يصنعها بأنها ضاره دون أن تكون
كذلك، وأجابة
هذا التساؤل يوضحها
الجزء
الخاص بتفسير التدخين.
عودة
|