مقالات علمية
- الأديان فى مواجهة الإدمان>>
قيمة النفس البشرية فى المسيحية
لنيافة الحبر الجليل الأنبا
باخوميوس
مطران البحيرة والخمس مدن الغربية
" قال يسوع لسمعان بطرس : يا سمعان بن يونا، أتحبني أكثر من
هؤلاء ؟ قال له : نعم يا رب، أنت تعلم أني أحبك . قال له : ارع
خرافي . قال له أيضا ثانية : يا سمعان بن يونا ، أتحبني ؟ قال
له : نعم يا رب ، أنت تعلم أني أحبك . قال له : ارع غنمي . قال
له ثالثة : يا سمعان بن يونا ، أتحبني ؟ فحزن بطرس لأنه قال له
ثالثة : أتحبني ؟ فقال له : يا رب ، أنت تعلم كل شيء . أنت
تعرف أني أحبك . قال له يسوع : ارع غنمي" . ( يو21 : 15 – 17)
وهذا يبين أهمية النفس البشرية عند السيد المسيح أنه يقول
لبطرس أتحبنى فمقياس المحبة هنا أن يرعى خرافه؛ قياس محبة
سمعان بطرس الحقيقية هو أن يرعى أولاده وليس أن يعطى للمسيح
شيئًا معينًا، ولذلك لما تحدث المسيح عن الإخوة الأصاغر قال: "
لأني جعت فأطعمتموني.عطشت فسقيتموني.كنت غريبا
فآويتموني.عريانا فكسوتموني.مريضا فزرتموني.محبوسا فأتيتم
إلي"( مت 25 : 35-36) " الحق أقول لكم : بما أنكم فعلتموه بأحد
إخوتي هؤلاء الأصاغر ، فبي فعلتم" (مت25 :40 )، فهذه هى قيمة
الإنسان عند السيد المسيح أى أنك إذا صنعت خيرًا فى إنسان
مسكين تفعله فى السيد المسيح شخصيًا وليس فى شخص مشابه له وهذا
ليس غريبًا، فمن البداية عندما خلق الله الإنسان كان هو
المخلوق الوحيد على صورة الله والكتاب المقدس عندما تكلم عن
الخليقة لم يقل إن الملائكة خلقوا على صورة الله ومثاله، بل
الإنسان هو الوحيد الذى خلق على صورة الله ومثاله.
أهمية الإنسان فى الكتاب المقدس
نجد أدلة كثيرة جدًا في الكتاب المقدس على أهمية الإنسان :
1- الإنسان أخذ وعدًا بالفداء
"وأضع عداوة بينك وبين المرأة ، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق
رأسك ، وأنت تسحقين عقبه " (تك 3 : 15) ، وخلاص الإنسان لا يتم
إلا عن طريق واحد وهو طريق التجسد الالهى الذي ليس بغيره خلاص.
2- ونجد أن الكتاب المقدس بكل ما
فيه من أسفار وكل ما فيه من عبادات وطقوس ونبوات إنما هى
لتهييء فكر الإنسان لقبول فكرة الفداء.
3- الله فى تجسده وفداءه - كي
يرجع الإنسان إلى رتبته الأولى - يموت من أجله.
4- نجد أن ربنا يسوع المسيح يأتي
ويتجسد ويعيش بين الفقراء ويعلم الكبار والصغار ويضع نفسه
نموذجا" ويفدى البشرية كلها، لذلك يقول الكتاب ودم ربنا يسوع
المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ليس خطايانا فقط بل خطايا
العالم كله.
5- نجد وصايا الكتاب المقدس كلها
من أجل الإنسان، فتكريس الآباء والأنبياء والرسل والمبشرين؛
تكرسوا من أجل الإنسان.
كل هذا يوضح لنا أهمية النفس البشرية عند السيد المسيح وهناك
أيضا" أمثلة للاهتمام بالحالات الفردية ، يكفى أن نعرف أن ربنا
يسوع المسيح يترك كل مسئولياته ويذهب من أجل أن يلتقي بامرأة
سامرية ونقول له يا رب لماذا تفعل ذلك؟ يقول إن السامرية هى
نفس بشرية لها أهمية كبيرة جدا" عندى، زكا له أهمية، واللص
اليمين له أهمية أيضا"، وشاول له أهمية.
هذه كلها تبين لنا أهمية الإنسان عند الله وهذا يبين لنا نحن
فى خدمتنا أن كل إنسان عندما نتعامل معه لا نتعامل معه من خلال
خطيته، ولكننا نتعامل معه من خلال الصورة التى خُلق عليها ونحن
نتقابل مع أناس كثيرين منغمسين فى الجريمة والإدمان ولو تعاملت
مع أحد منهم على أساس أنه مجرم لا تقدر أن تجلس معه دقيقة
واحدة، ولكن لكي تجلس معه فى حب تعامل معه من خلال شخص ربنا
يسوع المسيح الذي مات من أجله، ولأجل ذلك ينبغي أن اتعامل مع
النفس البشرية من خلال شخص ربنا يسوع المسيح الفادى والمخلص.
يقول المسيح لابن يونا " أتحبنى ارع خرافى " (يو 21 : 15)
وطبعا" فيها الخروف المعاند والبعيد وفيها الخروف المريض
والعليل، ولم يقل له المسيح ارعى نوعًا معينا" فقط من الخراف
بل ارعى خرافي كلها، وابحث عنها واحضرها مها كان بها من سلبيات
ولابد علينا أن نحتويها، لأجل ذلك فالخادم الذى يخدم في ميادين
الانحراف بصور مختلفة ولم يعرف أهمية هذه النفس عند المسيح ولا
يتعامل معها من خلال رؤية السيد المسيح لا يحتمل أن يجلس معها
مرة واحدة.
وهنا ينبغى أن نلاحظ أن أى إنسان نتعامل معه من الممكن أن نجده
يتعامل معنا بقسوة شديدة وعنف رغم أننا نذهب إليه فى حب، فلا
تندم أبدًا على محبتك له واعتبر أن هذا صليب تقبله بفرح وتعلم
أن هذا الإنسان ضروري للملكوت.
ومن الأشياء المعزية فى خدمة السجون أن يدخل السجناء محكومًا
عليهم بأي عقوبة فنجد منهم أناسا" يخرجون مكرسين وخدامًا،
وهناك منهم من يقول سأكرس نفسى لخدمة المسجونين ويقول إنى اشكر
ربنا أنه سمح لى أن أدخل السجن لأن السجن بالنسبة لى توبة
وتجديد وفترة خلوة هذا رغم أن هناك أناس يخرجون غير تائبين
وهذا يجعلنا نشعر أن كل إنسان مخلوق على صورة الله، كل إنسان
مدعو لنوال الخلاص، كل إنسان نافع لملكوت السموات، كل إنسان لا
نفقد فيه الأمل أن يكون كارزًا وخادمًا، ومعلمنا بولس الرسول
فى بداية حياته كان إنسانًا صعبًا جدًا لكـن
ربنا غيره، نتعامل مع المدمن من خلال ربنا يسوع المسيح فنحبه،
ونتعامل معه من خلال احتياجه للخلاص فنخدمه، نتعامل مع المدمن
من خلال أنه من الممكن أن يكون إناءً مختارًا لله فنتلمذه،
فبعدما كان بالنسبة لى إنسانًا شريرًا ومدمنًا من الممكن أن
يكون كارزًا وليس هذا صعبًا أو مستحيلاً، واعتقد أن الذين
يخدمون فى هذا المجال يجدون أن أناسًا كثيرين تتغير حياتهم
ويشعر الخادم أن هذا الإنسان أنسب من يقنع غيره أن يترك حياة
الإدمان .
وعندما نخدم مدمنًا نضع فى ذهننا ثلاث نقاط هامة جدًا
1- نريده إنسانًا صالحًا تائبًا :
إننا نريد الإنسان، ونحن نخدم قطاعات المدمنين والمنحرفين عامة
نسعى أن يكون هذا الإنسان إنسانًا صالحًا وتائبًا يعيش فى
التوبة.
وأول خطوة لكى يعيش تائبًا هى أن يدرك مرارة ما هو فيه،
فالخطوة الأولى فى معالجة الإدمان هي أن نقنع الشخص أنه محتاج
إلى العلاج وأنه إنسان محتاج للنقاوة والتوبة، محتاج أن يقلع
عن العادة التي هو فيها، ونحن في خدمتنا لكل قطاعات المنحرفين
سواء فى الإدمان أو في السجن أو في الجريمة نسعى أن يدرك
المخدوم أنه محتاج أن يتوب وأن يكون إنسانًا نقيًا ونحن نهيأه
لحياة النقاوة، ولأجل ذلك نقنع الشخص أنه يحتاج إلى التوبة
ويحتاج ذلك منا مجهودًا لأنه ليس من أول يوم يستجيب المخدوم
ولذلك لابد من المثابرة وهناك أمور ضرورية أخرى وهى أن نبدأ
معه صداقة جيدة وأعمال محبة جيدة لكى نهيئ جوًا مناسبًا
لخدمته، ونضع في ذهننا أن الأمر الأول الذي لابد أن نتعامل معه
فيه هو أننا نريد أن نقتاده إلى التوبة وأن يشعر بمرارة ما
يعيش فيه وهو أيضًا محتاج أن يدرك خطيئته ويدرك أنه محتاج أن
يتحرر من قيوده لذا يجب أن نعطيه الرجاء.
والمناسب لذلك قراءات الإيمان والرجاء والمحبة التى هي
الدعامات التي نعمل بها وإذا فرحت به فأعطه رجاءً ( نحن نحبك،
يسوع يحبك، آمن أن المسيح يستطيع أن يحررك ) نحن عندنا رجاء إن
هذا الإنسان مهما كان مقيدًا بالخطية فالمسيح سوف يحرره وعندنا
ملء الإيمان أنه سوف يحيا، فى التوبة ونبعث هذا الإيمان في
قلبه فنؤكد له أن الله يستطيع أن يحرره ولابد أن هناك منهم من
يقول " أنا استطيع أن أهزم هذه الخطية "، مثل شاب مقيد بعادات
شبابية يقول "من الممكن أن اتحرر من الخطايا الشبابية"، طبعًا
نعمة الله تسنده ونعمة ربنا تستطيع أن تتوبه ونعمة ربنا تستطيع
أن تقتاده إلى حياة التوبة مع جهاده الذى يجب أن يستمر.
2- نريده أن يكون سعيدًا :
الشيء الثاني الذي نضعه في ذهننا لأجل هذا الإنسان هو أننا
نريده أن يكون سعيدًا لأنه يعتقد أنه عندما يأخذ المخدر يكون
سعيدًا، لكن نحن سنقول له إنك قد بعت ما تملك وأولادك قد لا
يجدون طعامًا، وأنت تستمتع بالنشوة للحظات لكن انظر إلى نفسك
في المرآة، ونوضح له بعد ذلك مقدار قيمته عند ربنا وأن ربنا
يريده أن يصير سعيدًا ولكن هل الإدمان هو الذي يوصله إلى
السعادة الحقيقية.
إن الإدمان يوصله إلى كل درجات الانحدار.
هناك أناس يكلموننا ويقولون لا نريد أن نخرج من البيت لأنه لو
خرجنا سيبيع الولد السرير من أجل أن يشترى المخدرات، لأنه حتى
مقومات الحياة الأساسية من الممكن إن يستغني عنها المدمن في
سبيل المخدرات والنشوة الزائفة.
نريد أن نقول له نحن نود أن تكون سعيدًا وأن تكون في منزل نظيف
لتعيش فيه وتكون في وسط أولادك وأصحابك إنسانًا محترمًا وتكون
في سعادة حقيقية ونوصل له مفاهيم السعادة الحقيقية ونعطيه
نماذج عنها وهدفنا من خدمتنا لك أن تكون سعيدًا وأن تكون
مبتسمًا ولا تكون منعزلاً.
ونريد أن نقول له عندما نخدمه إن لك قيمة كبيرة جدًا عند السيد
المسيح وتشرح له وتوضح بالوسائل التي درستها كيف يمكن أن يكون
سعيدًا سعادة حقيقية وأن السعادة التي يعيش فيها مع المخدرات
هي مجرد أوهام .
اليوم نحن نخدم المدمن الذي يرى أولاده عراة ولا يشعر بالألم
تجاههم ولا يحس بالمرارة التى تعانيها زوجته، ولا يقدر ذلك
الانحدار الفكرى والنفسى الذى يعانيه ولا حتى احتقار المجتمع
له،وسط كل هذا نريد أن نقول له نحن نريدك أن تكون سعيدًا سعادة
حقيقية وهدفنا من هذه الخدمة أن نجعل أولادنا بالحقيقة سعداء.
ولكن … ما هى الوسائل التى تشعره بالسعادة الحقيقية ؟ إن
الطريق للمسيح هو السعادة الحقيقية وهذه الأشياء نحن محتاجون
أن ندرسها فى التعامل مع المدمن فى سيكولوجيته لكن نركز على
أننا نقتاد المدمنين إلى التوبة ونقتادهم إلى الحياة السعيدة
والتي يشعر من خلالها أنه فرحان بالرب.
3- نخرج منه إنسانًا نافعًا للمجتمع :
الأمر الثالث الذى يحتاج أن نقتاد المدمن إليه هو أن نخرج منه
أنسانًا نافعًا للمجتمع وليس هذا فقط، فقد يخرج من دائرة
الإدمان ويتحدث عن خبرته وهذا نوع من الخدمة.
وطبعًا ليس كل إنسان عنده هذه الجرأة - أن يتحدث عن خبرته -
لكن على الأقل يرجع للمجتمع ولبيته إنسانًا نافعًا ويرجع إلى
الكنيسة كارزًا بتوبته ويرجع للوظيفة ناجحًا فى عمله فنحن نريد
أن يصير المدمن إنسانًا نافعًا وصالحًا وسعيدًا، أنا أود فى
خدمة الانحراف بوجه عام أن نضع هذه الأمور الثلاثة أمام
أعيننا.
هل نحن فى منهجنا نريد أن نجعل المنحرف مثمرًا لأنه نفس بشرية
غالية عند ربنا ولابد أن يكون له ثمر وعمل.
إن النفس البشرية قد خلقت على صورة الله وكل ما كتب من وصايا
وشرائع وإرساليات وعمل كنيسة العهد الجديد هو من أجل خدمة
الإنسان، فهذا كله يترجم
أن كل إنسان مدعو أن يكون ابنًا لله صالحًا تائبًا وليس هناك
ما يجعلنا ننظر إلى المستقبل نظرة متشائمة، إن كل إنسان نريده
أن يكون سعيدًا بروح الرجاء بإيماننا أن الله يستطيع أن يغير
القلوب فالإنسان يصير فرحانًا بالمسيح والكتاب يقول " ومن
الآكل يخُرج أكَلاً ومن الجافي يخُرج حلاوة " (قض 14 : 14)،
والسيد المسيح يعلمنا هذه المبادئ ولا توجد أمثلة كتابية عن
الإدمان لأنه لم يكن موجودًا ما يقابل هذه الأمثلة ولكن المرأة
السامرية قد تعتبر من عداد المدمنات لأنها كانت مدمنة للجنس
لكن استطاع السيد المسيح أن يخرج منها إنسانة تائبة وخرجت
فَرِحة وصارت كارزة .
أى أن الإدمان فى العصور الأولى كان يأخذ شكل الجنس ـ ونحن لا
نعرف الإدمان فى السنين القادمة ماذا سيكون شكله، فاليوم نسمع
عن إدمان النت وإدمان المكيفات والجنس.
والإدمان بوجه عام يفقد الإنسان صلاحه ونقاوته وقدراته ونحن
كمنهج روحي فى العمل نؤمن بأن النفس البشرية لها أهمية خاصة
عند المسيح، افتديت بدم ثمين، جُبلت على صورة الله ومن أجلها
تجسد المسيح فاديًا ومخلصًا ومن أجلها أعطى الوصايا ومن أجلها
أُسست كنيسة العهد الجديد وكل الذي نراه فى الكنيسة اليوم وكل
العمل الرعوى الضخم بكل أنشطته هدفه خدمة الإنسان.
وهدفنا من
الخدمة أن نقيم إنسانًا تائبًا وسعيدًا وأيضًا نافعًا
وهذا يوصلنا أن نقدم هذا المنهج بروح شمولية نتكلم فيها عن
التنمية الشاملة فى حياة الإنسان.
فالمدمن الذى عندنا نريده أن يتغير ويتحرر من الإدمان، فيرجع
لبيته وزوجته ووظيفته ومجتمعه ويعيش فى
المجتمع بصورة سوية ولا
يشعر فى المجتمع بأنه مرفوض وبذلك نحقق تغييرًا شاملاً فى حياة
الإنسان الذى نخدمه.
|